ثوابت ومتغيرات ما يجب ان تكون عليه البرامج الانتخابية في الانتخابات النيابية العراقية القادمة ) الدكتور سعد عبيد السعيدي

 

لا شك ان المتتبع للانشطة الانتخابية والمراحل الترويجية التي تشهدها الانتخابات النيابية العراقية المقبلة للكثير من المرشحين والكتل السياسية سيجد انها تفتقد لادنى معايير طرح البرامج الانتخابية الموضوعية التي تتسق مع واقع البلد ومتطلبات المجتمع والمصالح العليا للدولة العراقية , بل هي عبارة عن كوميديا سوداء تعتمد على جانبين اساسيين الاول يتصل بجهل الغالبية العظمى من الناخبين بمهمة المرشحين اذا ما فازوا بالانتخابات , والتي هي عبارة عن مهمة رقابية وتشريعية بالدرجة الاساس وليس مهمة تنفيذية – خدمية كما يتصور الجمهور وكما يحاول ان يسوقه له اغلب المرشحين عبر تقديم اشبه ما يوصف بالرشوة الانتخابية عبر تنفيذ خدمات معينة من اموال الدولة او اموال الكتلة مقابل الالتزام بالتصويت للمرشح وفي ذلك تجاوز وتطاول على مهام وواجبات المؤسسات الخدمية والتنفيذية ,

والثاني تراكم ثروات طائلة ومال سياسي خارج الرقابة لدى الكتل الانتخابية استطاعت عبره الالتفاف على خيارات الناخبين الحقيقية وايصال شخصيات معينة الى السلطة غير نزيهة ولا مهنية ولا تمتلك سمات الادارة او القيادة ولا التشريع والرقابة .

وبالمحصلة فأن الكثير من  الشخصيات التي تصل الى المجلس النيابي غير مؤهلة تماما لشغل هذه الوظيفة وتنعكس على كفاءة مجلس النواب وعلى طبيعة وتوجهات الحكومة التي تنبثق عن المجلس وتعزز بنفس الوقت من سطوة وهيمنة رؤساء الكتل , ولا تلتزم بأي برنامج انتخابي واضح وخريطة زمنية لتطبيق ذلك البرنامج مما يجعل اهم انتخابات يشهدها البلد خالية من التفاعل مع اهم القضايا والمواضيع التي يجب مناقشتها ووضع التصورات الخاصة للتعامل معها عبر برامج انتخابية حقيقية .

ومن اهم المواضيع التي من المفترض ان تتطرق لها البرامج الانتخابية  في الانتخابات النيابية المقبلة هي  المواضيع الاتية :

اولا : المواضيع التي تتعلق بالامن الوطني الوجودي للدولة العراقية .

قطعا ان اهم ما يجب ان تهتم به الاحزاب السياسية ومرشحيها يجب ان ينصب على قضايا الامن القومي لا سيما الامن الوجودي والذي يتمثل بحفظ كيان الدولة وحماية ارواح شعبها , وفي هذا الاطار يجب على المرشحين والكيانات التي ينتمون لها ان تبين خططها وبرامجها لتحقيق هذه الاهداف العليا وحماية السيادة العراقية وردع اي عدوان محتمل لا سيما في ظل تصاعد مخاطر الحروب الحديثة وخطر الارهاب الخارجي وفوق كل ذلك الخطر الوجودي المتمثل برغبة الاحتلال الاسرائيلي بالتوسع على حساب الاراضي العربية وطرد سكانها وصولا الى العراق .

ثانيا : المواضيع التي تتعلق بالعلاقات الخارجية والتحالفات  للعراق .

لا يزال ملف العلاقات الخارجية من الملفات المختلف عليها بين القوى السياسية والمكونات القومية والطائفية والدينية حيث لم يصل العراق بعد على منظومة علاقات مستقرة وواضحة مع دول العالم لاسيما منها القوى الكبرى والمهمة , حيث لا تزال علاقاتنا الخارجية متذبذبة بين انحيازات معينة لا سيما بين الولايات المتحدة وايران وتركيا والسعودية  والمحور الصيني – الروسي  , فضلا عن ضبابية المواقف العراقية من التحالفات والشراكات الاقليمية والدولية , كما يجب التأكيد على البرامج الانتخابية التي تعيد رسم منظومة التحالفات وتقويتها وبناء مؤسسة عسكرية قوية ومستقلة وتمتلك خطط تسليحية قوية , ويجب ان تقيم الدولة العراقية مواقفها تجاه الدول التي تعرقل تطور المؤسسة العسكرية العراقية وتعيق تسليحها , ومن هنا يجب على المرشحين والقوى المتنافسة ان تحدد برنامجها بدقة حول هذا الموضوع للناخبين لكي يستطيعوا ان يحددوا خياراتهم بدقة .

 

ثالثا : المواضيع التي تتعلق بالجوانب الاقتصادية

من المعروف ان الدول تتحرك سياسيا على قدر سلامة جسدها الاقتصادي , فكلما كانت الدولة قوية ومستقرة اقتصاديا ويقوم اقتصادها على قاعدة انتاجية قوية كلما كانت اكثر استقلالا واكثر تاثيرا ونفوذا وابعد عن الخضوع للاملائات او الشروط الخارجية , وهذا امر يجب ان يدركه صناع القرار والمشرعين في مجلس النواب ويجب ان يعمل المرشحين للانتخابات النيابية على التنافس فيما بينهم لتحقيقه .

ومن اهم النقاط التي يجب ان تتطرق لها البرامج الانتخابية في المجال الاقتصادي هو التخلص من اقتصاد الريع والتحول الى اقتصاد انتاجي , عبر التحول من الاعتماد الاحادي على النفط الى تحقيق تنوع اقتصادي مقبول للحيلولة دون الارتهان لتذبذب اسعار الطاقة والعمل على تنويع الدخل .

كما يجب ان يتضمن البرنامج الاقتصادي الانتخابي تعهدات وتصورات وخطط خاصة لتوفير الخدمات الاساسية للمجتمع وعلى راسها الكهرباء والتعليم والصحة والطرق والبنى التحتية , كما يجب ان تتضمن البرامج الانتخابية خطط موضوعية يشترك في اعدادها وتنفيذها القطاع الخاص المحلي والاجنبي لتوفير فرص العمل ومواجهة نسب البطالة المرتفعة , فضلا عن تحقيق مستويات مقبولة من الاجور ومعدلات معتدلة من الاسعار الخاصة بالخدمات والسلع .وكل هذا يعني ان هناك خطط وبرامج موضوعية ومفصلة لتحقيق الامن الاقتصادي للعراق .

 

رابعا : مشكلة المياه وتفاصيلها .

وتعد هذه المشكلة من المشاكل التي تؤرق العراق وتقض مضاجع حاملي هموم المجتمع , والحق نقول ان هذه المشكلة باتت تتصدر مشاكل العراق وتعد من اخطرها واكثرها الحاحا , حيث تتعلق بالامن المائي والغذائي وهو الامن الذي يقع في صلب الامن الوطني لانه يتعلق بحيات السكان وسبل استمرار الحياة والحضارة , ولطالما ارتبطت الحضارات والعمران عبر التاريخومن بينها حضارة وادي الرافدين  بوجود مياه وفيرة ومستقرة ومستمرة , واليوم يعاني العراق نقصا رهيبا ومتزايدا للمياه حيث انخفضت حصة العراق من 79 مليار متر مكعب الى ما يقارب 29 مليار متر مكعب بالاضافة الى زيادة نسبة التبخر والملوحة والجفاف والتصحر واستنزاف الخزين المائي للمياه الجوفية وتراجع رهيب في الري والزراعة , وزيادة كبيرة في نسب الملوحة وتدهور للنظام البيئي عبر جفاف الانهار والاهوار وهجرة الطيور وموت الاسماء والاحياء المائية وزيادرة نسب تطاير الاتربة والتعرية , وقد نصل في فترة زمنية قريبا الى فقدان شبه كلي للمياه ليس فقط تلك الخاصة بالزراعة والصناعة وانما حتى تلك المتعلقة بتوفير مياه الشرب.

ومن هنا لابد للقوى السياسية المتنافسة والمرشحين ان يقدموا تصورات معقولة ومنطقية وواقعية لكيفية معالجة هذه المعضلة سواء عبر توفير التكنولوجيا الخاصة بتقنين استخدام المياه او عبر تنظيم الري وتطوير الجداول والمبازل والسدود والنواظم او عبر تضخيم الخزين المائي او عبر تطوير اتفاقات مع دول المنبع وهما تركيا وايران , وتنسيق المواقف مع الدول الاخرى المؤثرة .

 

خامسا : المواضيع التي تتعلق بالقضايا المختلف عليها مع الدول الاخرى ( خور عبدالله , الوجود العسكري التركي )

وهذه ايضا تعد من القضايا المهمة جدا التي يجب ان يلتفت لها مرشحوا الاحزاب السياسية المتنافسين , فقضية خور عبدالله تعد من اهم القضايا الوطنية التي ينتظر الشعب العراقي مبادرات سياسية لحسمها قبل ان تتحول الى سبب للانفجار الشعبي الداخلي , حيث يرى غالبية الشعب العراقي ان خورعبدالله ممر مائي عراقي وحيد تم التفريط به من قبل القوى السياسية ويجب اتخاذ خطوات جادة لاستعادته بشكل كامل , كما تمثل القوات التركية في الموصل ودهوك قضية مهمة جدا بالنسبة للعراقيين فهي تعد قوات شبه محتلة لاراضي عراقية لا سيما ان تركيا لديها اطماع تاريخية في تلك الاراضي وصولا الى كركوك وقد تنتظر اي فرصة يضعف فيها العراق اكثر لتتمدد اكثر بحجة مليء الفراغ ومحاربة المتمردين من الاحزاب التركية- الكردية المعارضة , ومن هنا يجب على القوى السياسية ان تضع عملية حل هذه المشكلة في حساباتها وتطرحها في برامجها الانتخابية .

 

سادسا : مواضيع اخرى تستدعي من القوى السياسية والمرشحين طرحها كبرامج انتخابية وتبنيها بطريقة او اخرى تتسم بالسمة الوطنية العامة منها : تعديل بعض فقرات الدستور واقرار بعض القوانين المعطلة , تنظيم العلاقة  للحكومة الاتحادية مع اقليم كردستان وحل المشاكل المعلقة بينهما لا سيما مواضيع النفط والغاز وميزانية اقليم كردستان والمنافذ الحدودية والمناطق المتنازع عليها وغيرها , موضوع اقرار قانون الحشد الشعبي,  التعامل مع ملف السلاح خارج سلطة الدولة… الخ  فضلا عن الكثير من القضايا التي تحتاج الى قوانين خاصة بها تنظمها وتعمل على تحويل العراق الى دولة مؤسسات تحترم شعبها وتحتكم الى القانون وتحترم وتصون الحريات .

 

ان هكذا مواضيع بالحقيقة هي جوهر العملية الديمقراطية والانتخابية التي يجب ان تركز عليها البرامج الانتخابية وليس توفير بعض اعمدة الكهرباء او ترقيع الحفر في بعض الطرقات او تعيين مجموعة من الشباب , وفرش بعض الطرق بمواد تبليط بدائية او اجراء بعض الزيارات للعشائر والاحياء السكنية والتقاط بعض الصور واقامة الولائم والاتكاء على العشيرة والطائفة والمذهب وتقديم رشا مالية وشراء الاصوات بشكل مباشر مستغلين حالة الجهل واللامبالاة للكثير من المواطنين .

الدكتور سعد السعيدي

 

إرسال التعليق

قد تكون فاتتك