الانتخابات العراقية… صراع رموز لا مشروع وطن

الباحث مقتدى عثمان علي
تكشف الحملة الانتخابية الحالية في العراق، مرةً أخرى، عمق الأزمة السياسية التي يعيشها البلد. فبدل أن تكون الانتخابات فرصةً لتجديد الثقة بين المواطن والدولة، تحوّلت إلى ساحة تنافس رمزي وشعبوي، يغيب عنها الخطاب العراقوي والرؤية الوطنية. إذ ما تزال أغلب الكيانات السياسية تعتمد على استدعاء الهويات الفرعية والمظلومية التاريخية في محاولةٍ لكسب جمهورها التقليدي، لا لبناء مشروعٍ وطني يوحّد الناس حول فكرة الدولة.
يظهر المال السياسي بقوةٍ في هذه الانتخابات، إذ تُستخدم الأموال والإعلام الموجَّه لإعادة إنتاج النخب القديمة التي فشلت في إدارة الدولة. وتتحول الحملات الانتخابية إلى استعراضٍ للقوة والسطوة، أكثر من كونها ساحة نقاشٍ حول حلولٍ لمشكلات البلاد. هذه الظاهرة تضعف فرص التداول الحقيقي للسلطة، وتزيد من هشاشة النظام السياسي، لأنها تُبقي على الولاءات الضيقة والفرعية بدل الولاء للوطن.
أما المفوضية العليا للانتخابات، فتؤدي دورًا خجولًا وضعيفًا، وغالبًا ما تبدو مسيّسة أو متأثرةً بضغط القوى الكبيرة. فغياب الرقابة الجادّة على الإنفاق الانتخابي، وضعف الإجراءات ضد استخدام موارد الدولة، يجعلان العملية تفتقر إلى العدالة والتوازن. كما أن الحملات الافتراضية على مواقع التواصل، المليئة بالتضليل والأكاذيب، تجري دون رقابةٍ حقيقية، مما يضعف ثقة الناس بالعملية الانتخابية.
تُظهر هذه الصورة أن الانتخابات في العراق ما زالت تُدار بعقلية المكوّنات لا بعقلية الدولة. فبدل أن تكون الانتخابات جسرًا نحو بناء الدولة الوطنية، أصبحت أداةً لإضعافها.
فالصراع ما زال يدور حول الرموز لا حول الأفكار، وحول الولاءات لا حول البرامج. وبذلك يمكن القول إن الانتخابات في العراق ما زالت تدور في فلك “التنازع الهوياتي” أكثر من “التنافس البرامجي”، وهو ما يجعل مستقبل الدولة الوطنية رهنًا بإرادة إصلاحٍ سياسي حقيقي يحررها من أسر الزعامات والمحاصصة.


إرسال التعليق