(طريق المرأة العراقية الى البرلمان)

الدكتورة آيات مظفر نوري

تعرقل مشاركة المرأة في العمليات السياسية في العراق العديد من العقبات، على الرغم من تصميم المرأة العراقية على الانخراط في المجال العام. ففي عام 2020، احتل العراق المرتبة (70) عالميًا من حيث شغل النساء مقاعد في البرلمان.

نصّ الدستور العراقي النافذ لعام 2005 في المادة (14) على أن:

“العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الجنسية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي.”

ومع قرب انعقاد الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، ما زالت المرأة تعاني من عدة تحديات في محاولتها دخول عالم السياسة بشكل عام، والانتخابات النيابية بشكل خاص، إذ إن طبيعة المجتمع حدّدت وأطّرت علاقة المرأة بمجتمعها (الذكوري) ضمن حدود ضيقة، يقابلها ضعف تمثيل المرأة الحكومي والخدمي، مما يحدّ من احتكاكها بالمجتمع وقدرتها على تفكيك هذه الإشكالية وإثبات دورها الفاعل.

تواجه النساء العراقيات اللواتي يعملن في وظائف رسمية المضايقات والترهيب في أماكن العمل، كما هو الحال في كثير من الأحيان في أماكن أخرى، ولا يزلن لا يتلقين نفس رواتب الرجال مقابل العمل المتساوي. هذه العوامل وغيرها جعلت النساء أمام تحدي النفاذ إلى مواقع السلطة السياسية والحكومية، ناهيك عن طموح الدخول تحت قبة مجلس النواب. فعملية جمع التأييد والدعم من الناخبين في الانتخابات، سواء على نظام الدوائر المتعددة الكبيرة (المحافظة) أو نظام الدوائر الصغيرة (المناطقي)، تُعد صعبة جدًا.

لذا، وضع المشرّع العراقي في الدستور نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب بألا تقل عن (25%)، وأُقِرّ على أساسها في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نظام “الكوتا” ليحميها ويساهم في تمثيلها البرلماني بأدنى المستويات. إلا أن الأمر أصبح أكثر صعوبة وتعقيدًا على مستوى الدوائر الصغيرة المهمة.

إن المشاركة الهادفة للمرأة لا تعني فقط زيادة عدد النساء في الحياة السياسية — رغم أن هذه بداية جيدة — بل تعني أيضًا سنّ التشريعات المؤيدة للمرأة، مما يسمح لهنّ بمعالجة القضايا التي تهمّ المرأة، مثل العنف المنزلي وإزالة الحواجز التي تعيق مشاركتها على قدم المساواة في صنع القرار.

كما أن النائبات في البرلمان تقع عليهن مسؤولية كبيرة في إيجاد خارطة طريق لتحقيق المساواة مع الرجل في المواقع القيادية والنجاح فيها وتحمل المسؤولية. إلا أننا نجد أن بعض اللجان، على سبيل المثال، لا تحتوي على امرأة، مثل لجنة الأمن والدفاع. فهل يعقل أننا لا نملك امرأة متخصصة في التخطيط الاستراتيجي أو التحليل والدراسات الأمنية؟! فما الضير من إشراك الباحثة كجانب نظري مع رجل الأمن كجانب عملي تحت خيمة لجنة الأمن والدفاع؟

ناهيك عن عدم وصول المرأة إلى مواقع التمثيل في الرئاسات الثلاث، مثل هيئة رئاسة البرلمان، أو موقع نائب رئيس الجمهورية، أو نائب رئيس مجلس الوزراء — كحد أدنى — أو تمثيل العراق خارجيًا من خلال وزارة الخارجية، ليُبنى على هذه المواقع لاحقًا وصولًا إلى تبوّؤ إحدى الرئاسات مستقبلاً.

كما أن الأحزاب السياسية لم تأخذ بيد المرأة وتنمّي قدراتها وتمكّنها بشكل حقيقي، إلا في حالات نادرة كما في إقليم كردستان، إذ نجد أن التنظيمات السياسية هناك تبني وتصقل المرأة وتدفع بها باتجاه الملفات الحكومية لتنجح في إدارتها.

وعلى العكس، نجد أن بعض الأحزاب توظّف وجود المرأة كواجهة صورية فقط، وتستغل وجودها داخل قبة البرلمان، وتستلب إرادتها وتمنعها حق وحرية اتخاذ القرار والتصويت من عدمه، بسبب الهيمنة الحزبية على المرأة وآلية استقطابها قبل الانتخابات.

لذا، تقع على المجتمع — ذكورًا وإناثًا — كما على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، مسؤولية كبيرة. وعلى المعنيين من مثقفين ومنظمات وإعلاميين أن يساهموا في الارتقاء بالفكر والمنظومة القيمية نحو العدالة في الاختيار والتقييم.

وبالعودة إلى نظام الدوائر المتعددة، نجد أن أغلب الدوائر الانتخابية ذات طابع عشائري أو حزبي، لديها رؤية تدعم الرجال من أبناء العشيرة أو صقور الأحزاب، وتأتي المرأة في المرتبة الثانية من هذا الدعم، باستثناء بعض الأحزاب التي تؤمن بدعم المخلص والناجح بغض النظر عن جنسه.

إن أمام المرأة تحديًا كبيرًا في مواجهة هذه الظروف، وإن انتصار المرأة يُعد انتصارًا مضاعفًا مقارنةً بالرجل. وعلى المرشحة أن تطرح برنامجها وسيرتها بقوة، وتزاحم الرجال وتنافسهم منافسة شريفة، وتقف بقوة القانون أمام التحديات والصعاب.

ومؤكد أن هناك جمهورًا يعي ويستوعب الأحداث، وسيدعم من يجده كفؤًا لدخول مجلس النواب دون النظر إلى تصنيفات ثانوية. إلا أن المهمة تبقى صعبة وشاقة، وتحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب لنقل المجتمع إلى مرحلة عدم التمييز بشتى أشكاله، والحكم على الأفراد بحسب ما يمتلكونه من رؤية وقدرة على الإدارة الناجحة.

 

 

 

 

 

 

إرسال التعليق

قد تكون فاتتك