سياسة إيران تجاه الممرات المائية الضيقة (هرمز وباب المندب): قراءة استراتيجية بعد حرب الـ12 يومًا مع الكيان الإسرائيلي

سياسة إيران تجاه الممرات المائية الضيقة (هرمز وباب المندب): قراءة استراتيجية بعد حرب الـ12 يومًا مع الكيان الإسرائيلي

تُعدّ الممرّات المائية الضيقة، كمضيق هرمز وباب المندب، عناصر أساسية في الاستراتيجية العامة الإيرانية، نظرًا لتأثيرها الكبير على التجارة العالمية. والمُلاحظ بعد حرب الـ12 يومًا مع الكيان الإسرائيلي في يونيو 2025، بروزُ سعي إيران إلى تعزيز نفوذها في هذه المناطق الحيوية من خلال اتباع سياسةٍ متعددة الأبعاد، تجمع بين الضغطين السياسي والدبلوماسي من جهة، وتوظيف الوسائل غير المباشرة لإدارة الصراع الأمني الإقليمي من جهة أخرى.

فمضيق هرمز، الذي يمرّ من خلاله نحو 20% من صادرات النفط العالمية، يُعَدّ وسيلة ضغطٍ مهمة لإيران؛ فهي تستخدم التهديد أحيانًا للتأثير في القرارات الدولية، دون الدخول في صراع مباشر قد يضرّ باقتصادها المعتمد بدرجة كبيرة على النفط. وهذا يُظهر فهم إيران لكيفية استخدام القوة العالمية بحذر، إذ يمكن للتهديد الرمزي أن يكون مؤثرًا طالما أنه لا يضرّ بالاقتصاد، ويُبرز قدرة إيران على الاستفادة من موقعها الجغرافي لتحقيق أهدافها مع الحفاظ على استقرارٍ نسبي داخلي وخارجي.

أما مضيق باب المندب، الرابط بين خليج عدن والبحر الأحمر، فيُمثّل وسيلة لإيران لإظهار نفوذها عبر حليفها الإقليمي في اليمن (جماعة الحوثي) الفاعل الرئيسي هناك. ومن خلال هذا النفوذ، تستطيع إيران توسيع تأثيرها دون الانخراط مباشرةً في صراع عسكري مع القوى الأخرى، كما يمكنها من خلاله الضغط على إسرائيل أو استهداف السفن التجارية الإسرائيلية والأوروبية، بما يوازن بين القدرة على التهديد المباشر واستخدام الوسائل غير المباشرة. هذا الأسلوب يُمثّل جوهر الاستراتيجية الإيرانية في سياستها الدفاعية، ويُظهر مدى استفادة إيران من حلفائها لتحقيق أهدافٍ سياسية وأمنية محددة في المنطقة.

بناءً على ذلك، يتضح أن إيران بعد حرب الـ12 يومًا ركّزت على دمج أبعاد الردع العسكري مع أدوات الضغط غير المباشر لضمان دورها الفاعل في المناطق البحرية الحساسة. كما أن دعم حلفائها وتعزيز قدراتهم العسكرية في البحر الأحمر يُعَدّ جزءًا من هذه السياسة. في المقابل، تُظهر إدارة المخاطر الاقتصادية والدبلوماسية وعيًا بالتداعيات المحتملة لأي تصعيد مباشر. هذا النهج يعكس فهمًا عميقًا لدور الممرات المائية كأدوات نفوذ، ليس فقط في سياق النزاع مع إسرائيل، بل أيضًا في مواجهة القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي تتابع عن كثب تحركات إيران في هذه النقاط الحيوية.

يمكن القول إن السياسة الإيرانية تجاه الممرات المائية الضيقة بعد حرب الـ12 يومًا تمثل نموذجًا للاستراتيجية المعاصرة التي تجمع بين الردع الرمزي، والنفوذ الإقليمي غير المباشر، والحفاظ على المصالح الاقتصادية. هذا النموذج يُظهر قدرة إيران على المناورة ضمن بيئةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقدة، تتشابك فيها الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية مع الاعتبارات العسكرية والدبلوماسية، مما يجعل هذه الممرات أدواتٍ مركزيةً في صياغة قدرتها الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويل.

الباحث احمد اسد

إرسال التعليق

قد تكون فاتتك