تراجع المشروعية الشعبية لقوى الاسلام السياسي في العراق… احمد عدنان يوضح

تراجع المشروعية الشعبية لقوى الاسلام السياسي في العراق… احمد عدنان يوضح

تراجع المشروعية الشعبية لقوى الاسلام السياسي في العراق... احمد عدنان يوضح

 

كان من المفترض ان تدفع المتغيرات والظروف الجارية في المنطقة والعراق القوى السياسية وخاصة الاسلامية باتجاه طرح مشاريع وطنية جديدة او مراجعات سياسية لهذه الاحزاب التي شاركت بالجزء الاساس من الحكم في عراق ما بعد ٢٠٠٣، ما ادخل هذه القوى في مرحلة تراجع شعبي وسياسي.

نتيجة الضغط الاجتماعي من حيث ركود قاعدتها الاجتماعية والشعبية بعد ان اخفقت في تقديم نموذج حكام يحقق المصلحة الوطنية ويسهم في بناء دولة المؤسسات والخدمات، مقدمة نموذج حكم قائم على اساس المحاصصة والمغانمك وتخادم المصالح الفئوية والجهوية مع باقي الاحزاب القومية وغيرها، متقاطعا بذلك مع منطلقاتها ومبادئها واصولها العقدية والفكرية.

 

هذا التدهور والتراجع الشعبي والسياسي لواقع معظم احزاب الاسلام السياسي التقليدية ناتج عن مركب في ضعف اداء قياداتها ومستويات اداءها التنظيمية في ردم الفجوه وقراءة الواقع العراقي وتحولاته ومتطلباته، اضافه الى استعانة معظم هذه الاحزاب بالادوات التقليدية التي اوصلت البلد الى ما هو عليه الان، واثبتت اخفاقها بالحكم طيلة السنوات السابقة.

ومن الادوات التي تلجأ اليها في كل مرة تجد نفسها بحاجة الى شد القواعد الجماهيرية اليها خاصة عند اقتراب الانتخابات: استعادة الطائفية وتفعيلها وتصعيد الخطاب الانقسامي ازاءها، الى درجة ان الشارع العراقي ايقن هذا السلوك وعرف دوافع الخطاب السياسي المتطرف والاتهامي.

فبدل ان تعمل هذه الاحزاب على تحقيق هوية عراقية وطنية موحدة تراعي خصوصيات التنوع والتعدد تعمل على استدامة الاختلاف وتوسيع حالة الصراع الطائفي والمذهبي القومي لتغذية وجودها واستطاله بقاءها في السلطة ليكون المواطن العراقي هو الضحية لتعود هي من جديد لمنطق التوافق وتقاسم النفوذ والموارد.

ولهذا تركز تلك الاحزاب على ايقاظ هواجس الماضي لاشاعة الخوف من الاخر من اجل اعادة انتخابها باعتبارها الملاذ الوحيد المعبر والمحافظ والمدافع عن الخصوصيات والاعتبارات والقيم الثقافية لقواعدها الشعبية وطمأنتها، لتكون شرعية البقاء عبر الايهام باحلال المنجز الامني بشكل يتقدم على شرعية الانجاز والاداء العام.

عرف عن غالبية احزاب الاسلام السياسي الحاكمةوشركائها من بقية الاحزاب انها لا تستثمر اللحظات الاصلاحية بل عرفت بضياع فرص الاصلاح وتجديدها للقواعد التقليدية واستعارتها لآليات الاشتغال بادوات النظام القديم وابرام الصفقات التواطئية والترويج لمقولات الخوف من الارهاب وعودة الطائفية والتدخلات الخارجية واتساع المخاوف وبالتالي ضياع كل لحظة تغيير واصلاح.

لا يمكن القول ان هذه الاحزاب ستضمحل وتختفي من الساحة السياسية بشكل مطلق فلا زال لبعضها قواعد وانصار وتنظيمات مساعدة واعلام داعم ومال سياسي ومشاريع استثمارية ونفوذ سلطوي في الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات. حتى ان تراجع الثقة الاجتماعية بها لا يؤثر كثيرا على نتائج الانتخابات ومخرجاتها في تشكيل الحكومة وتقاسم المواقع بشكل كبير، لان تيار الرفض لهذه الاحزاب هو تيار المقاطعةالانتخابية وهذا يعطي فرصة كبيرة لهذه الاحزاب بالبقاء، اضافه الى قدرتها في التأثير في مجربات عملية الانتخابات ونتائجها لصالحها.

مع ذلك تبرز مؤشرات تقدم حركات واحزاب سياسية مدنية شبابية جديده تنافس هذه الاحزاب وقد تنافسها مستقبلاً، من حيث الثقة الشعبية لكنها لا تتجاوزها انتخابياً، لحداثة تنظيمها وعدم امتلاكها التمويل اللازم للتمدد والتأثير، لكن في الامد القصير سيكون تفوق هذه القوى وتراجع غالبية احزاب الاسلام السياسي هو النتيجة الحتمية لاستمرار ممارساتها بادواتها التقليدية، الا في حالة عمل تلك الاحزاب على اعداد الارضية المناسبه للاصلاح وانجاز التحول الديمقراطي وفق المستلزمات التالية:

١- عدم تركيز احزاب الاسلام السياسي على مظالم الماضي وامتلاك رؤيه ايجابية استشرافية للانتقال لمواجهة الخوف الذي غرسه النظام السلطوي السابق، والتعامل وفقا لمقاربة التسامح وعدم السعي للانتقام ومصادرة وجودهم، مع عزل واستبعاد الذين يرفضون نبذ العنف ويصرون على القطيعه والتعنت.

٢- يجب ان تعترف احزاب الاسلام السياسي بالقوى السياسية المدنية ويكون لها دور اساس في التحولات السياسية الحاضرة وفي بلد مثل العراق يكاد يكون دور تلك القوى مغيب ومقموع، لكن القوى المدنية اصبحت واقع حال على الاحزاب السياسية الاسلامية ان تتعاطى معها وتعترف بوجودها ومبادئها.

٣- وجود المعارضه القوية الحاصلة على الدعم الشعبي الكافي لتكون منافس معقول على السلطة وتبادل الادوار والمواقع مع احزاب الاسلام السياسي والقوى الشريكةلها، اي يجب مغادرة عقلية المحاصصة والتوافق والتقاسم للمواقع والموارد والنفوذ مع الاطراف التقليديه القومية وغيرها، فاما تكون هي في السلطة او في المعارضة.

٤- رأب صدع الخلافات العميقة وبناء الجسور بين الاحزاب السياسي الاسلامية ذاتها حول الاهداف والقيادة والاستراتيجيات المهمة والمشاريع والبرامج السياسية، فلا بد ان يعمل قادة احزاب الاسلام السياسي في السلطة او المعارضة على التغلب على هذه الانقسامات وبناء تحالفات واسعة وتوحيد المواقف، فأي فشل في توحيد الرؤى والمواقف فان واقعها ومستقبلها سيتعثر ويتراجع ويختل.

٥- توسيع قاعدة المشاركة السياسية داخل الاحزاب السياسية الاسلامية بدفع اجيال جديدة وشابة من جميع الطبقات لتوجيه المطالب وتطوير الاحزاب فضعف هذه الاحزاب وتنظيمها سبب كاف لتدهور التحول الديمقراطي ومواكبة الوعي الشبابي ومعرفة اهتمامات ومطالب الشارع والاستجابة لها.

٦- من الصعب بناء ديمقراطية عاملة وفاعلة ومستدامةاذا لم تعمل هذه الاحزاب في نهاية المطاف على تنفيذ السياسات وبناء المؤسسات وتقديم الامن والخدمات وكسب تأييد الراي العام وجعل الناس يؤمنون ان التحول الديمقراطي ممكن.

في الختام نقول: ان تجربة الحكم في عراق ما بعد ٢٠٠٣ تحتاج الى ان يعمل قادة الاحزاب السياسية كافة على التفاوض والتنازل والعمل من اجل الصالح العام لا من اجل احياء النزعة العائلية وحصر الامتيازات بالدائرةالضيقة للاحزاب وحواشيها وتوابعها بالمواقع والمناصب والنفوذ.

وهذا يحتاج الى التضحية والعمل الجاد من قبل القوى الجديدة والشرائح الاجتماعية المخاصمة لهذه الاحزاب والذهاب صوب المشاركة بدل المقاطعة للانتخابات وابراز قيادات شبابية واعية تمتلك المهارة واجادة فن القيادةوالى بعض الحظ للمساعدة في تكريس نظام حكم ديمقراطي مستدام يسهم الجميع في تكريسه في العراق.

الدكتور احمد عدنان الميالي

إرسال التعليق

قد تكون فاتتك